إن كل ما يرضي الله وكل خدمة تُقدم له إنما هي موجودة في القلب. لذلك اجتهد أن ترضي الرب ناظرًا إليه كل حين ومنتظرًا اياه في داخلك، وفتش عنه في أفكارك واغتصب إرادتك وقصدك لتتجه وتمتد دائمًا نحوه وحينئذٍ ستنظر كيف يأتي إليك ويصنع عندك منزلاً (يو 14: 24). فبقدر ما تجمع عقلك لتطلبه فإنه يتنازل إليك بحنان أكثر جدًا وصلاح فائق ورحمة ويأتي إليك ويعطيك راحة وبهجة، إنه يقف ناظرًا إلى عقلك وأفكارك ورغباتك، ويرى كيف تطلبه، هل تطلبه حقيقة بكل نفسك بلا تغافل وبلا إهمال؟

وحينما ينظر غيرتك في طلبه، فإنه حينئذٍ يُظهر ويكشف نفسه، ويعطيك معونته الخاصة ويجعل لك النصرة وينقذك من أعدائك. وهو إذ ينظر أولاً كيفية طلبك له وانتظارك إياه بكل قلبك برجاء لا ينقطع نحوه، فإنه حينئذٍ يعلمك ويعطيك الصلاة الحقيقيّة والمحبة الحقيقيّة التي هي الرب نفسه الذي يصير لك في داخلك كل شيء: الفردوس، وشجرة الحياة، واللؤلؤة الكثيرة الثمن، والإكليل، والباني، والزارع، والمتألم، والذي لا يتألم، والإنسان، والإله، والكرمة، والماء الحي، والعريس، والمحارب، والسلاح، المسيح الكل في الكل.

وكما أن الطفل لا يعرف أن يعتني بنفسه أو يعمل أموره بنفسه، ولكنه يتطلّع فقط إلى أمه ويصرخ ويبكي إلى أن تتحرك إليه بحنان وتحمله، هكذا النفوس المؤمنة فإنها تضع رجاءها في الرب وحده وتنسب كل برّ إليه وحده. وكما أن الغصن يجف بدون الكرمة، وهكذا أيضًا من يشتهي أن يتبرر بدون المسيح. وكما أن السارق واللص هو الذي لا يدخل من الباب، بل يطلع من موضع آخر، هكذا أيضًا الإنسان الذي يبرر نفسه بدون الذي يُبرّر.

 عظة القديس مقاريوس الكبير  ٣١

Categories:

Comments are closed